أثناء تجولك فى شوارع منطقة مصر الجديدة أو
ما يطلق عليها " هليوبولس" أى مدينة الشمس أو عين شمس كما أطلق عليها
المصريون تستنشق نسائم المدينة القديمة التى تحكى عن التراث المصرى العتيق بأصالة
معالمها و مبانيها من قصور و كنائس و جوامع حافظت على رونقها و شبابها و العمارات
ذات الطابع القديم التى تذكرك بمضايك فى مصر القديمة رغم محاولات الامتداد
العمرانى و سيطرة الحداثة على المنطقة إلا انها لازالت تحتفظ بالكثير من عبق و
تراث الماضي الأصيل.
و فى عودة إلى حكاية و تاريخ هليوبوليس التى
تحكى تراث مصر القديمة نتعرف على بداية نشأة المنطقة وسط منطقة صحراوية قديمة فى
الوقت الذي خُططت فيه كثير من الأحياء الجديدة على ضفتى النيل القاهري و منها
الزمالك و جاردن سيتي.
تبدأ حكاية المدينة برجل بلجيكى اسمه "
البارون إمبان " ولد عام 1852 فى مدينة بليي ببلجيكا لأسرة كبيرة ميسورة
الحال و عمل مهندسا مدنيا و رساما هندسيا اشتهر بالتجارة و الاستثمار الصناعي لا
سيما في مجال النقل والمواصلات فأقام اول خط حديدي حديث في بلجيكا , وفي عام 1894
قرر إمبان الاستثمار في بلد جديد هي مصر ليساهم في بناء مشروعات جديدة و قام بمد
أول خط من خطوط الترام في مصر.
وقع اختيار إمبان لبناء مدينته الجديدة على
منطقة شمال شرق القاهرة و هو ما كان يعرف " بصحراء القاهرة" و اشترى
الفدان بجنيه واحد في الوقت الذي وصل المتر فيه إلى جنيه واحد في الأحياء الجديدة
علي النيل , و حصل على امتياز بتملك الأرض و تم عقد اتفاق مبدئي بين إمبان و بوغوص
باشا نوبار أول رئيس وزراء لمصر على إنشاء شركة القاهرة للسكك الكهربائية , و
بالفعل وضع إمبان التصوير المبدئي للمدينة و أخذ يبحث عن المهندس الذي ينفذ أفكاره
فوقع اختياره على أرنست جاسبر البلجيكى ؛ و هو مهندس معماري شاب حقق شعرة واسعة في
بلجيكا و فرنسالا, و اخذ البارون إمبان يسرد له عن احلامه بمدينة المستقبل و رغبته
في ان تكون مدينة متكاملة تجذب كبار و صغار الملاك و تتوافق من حيث الشكل المعماري
مع الروح الإسلامية و الأعراف المصرية و الجمع بين الحدائق الشاسعة و الشوارع
الفسيحة و الحداثة بكافة صورها.
و عاون أرنست جاسبر مهندس آخر تولى مهمة
تنفيذ المباني الأصغر حجما و الفيلات الصغيرة هو ألكسندر مارسيل ؛ فرنسي الأصل
استعان به البارون إمبان في وضع بعض التصميمات الهندسية لمباني هليوبوليس كان من المفترض أن تكون هليوبوليس واحتين مدينتين –الأولى لقصور وفيلات كبار الملاك والأرستقراطيين،
والشقق السكنية الحديثة للطبقة المتوسطة، بالإضافة إلى الفنادق والخدمات الترفيهية،
والثانية للعمال والبنائين. ولكن جاءت الأزمة المالية في عام 1907 فتغيرت مجريات الأمور
فما كان أمام البارون إلا أن يعمل على إيجاد توافق بين التصميم المقترح للمدينة وبين
السيولة المالية المتوفرة معه، فجاء تصميم المدينة الجديد ليكون بمثابة مدينة واحدة
أو واحة واحدة كما كان يطلق عليها إمبان تتوافر فيها كافة الخدمات.
وبحلول عام
1908 بدأت اللبنات الأولى لأساسيات المدينة تظهر إلى النور وبدأت الشوارع الكبرى تتحدد
ملامحها. وفي عام 1909 بدأ السكان الجدد في تسلم وحداتهم السكنية ولم يتجاوز عددهم
في ذلك العام الألف ساكن. بالإضافة إلى أن البعض فضَّل أن يشتري أرض فضاء ليبني عليها
ما يروق له وهو الأمر الذي يفسر لنا التنوع المبكر للطرز المعمارية للمدينة الوليدة،
وعدم اقتصارها على تصميمات أرنست جاسبر وألكسندر مارسيل فقط.
حرص البارون إمبان
على أن تضم هليوبوليس غرائب وطرائف الأشياء والتي تتميز بأنها أول أو أكبر شيء في القاهرة،
فقد استطاع البارون إمبان بفكره النابغ أن يبدع في مدينته الجديدة؛ بإنشاء أول مدينة
ترفيهية – ملاهي – في الشرق الأوسط وإفريقيا، وهي مدينة لونابارك التي بدأ في بنائها
عام 1910، , و افتتحت للجمهورفي 16 يونية 1911، وحققت معدلات زيارة مذهلة آنذاك، فلم
يكن روادها من سكان هليوبوليس فقط بل استطاعت اللونابارك أن تجذب إليها سكان الزمالك
الجدد وجاردن سيتي وكافة أفراد الطبقة البرجوازية باعتبارها أول مدينة ترفيهية في مصر،
وتختلف كثيرًا عما اعتاده المصريون من ألعاب السيرك والمهرجين وغيرها من وسائل التسلية
والترفية.
كما نجد
بهليوبوليس أكبر فندق تم تصميمه آنذاك هو فندق " هليوبوليس بالاس " أو
ما يعرف الآن بقصر الإتحادية صممه أرنست
جاسبر و بلغت سعته أكثر من 400 غرفة و تميز بتنوع
الطرز المعمارية بين مملوكية و عثمانية و فارسية و مغربية و أوروبية حديثة
, ولكن عقب قيام الحرب العالمية الأولى تحول الفندق إلى مستشفى ومعسكر للضباط الإنجليز
وكذلك أثناء الحرب العالمية الثانية مما أدى إلى تدهور حالته، وظل القصر مهجورًا لفترة
طويلة إلى أن تم تأميمه عقب قيام ثورة 23 يوليو 1952 وتحول إلى أحد القصور الرئاسية.
والطريف في الأمر أن هليوبوليس بالاس هو أحد أشهر القصور الرئاسية اليوم التي مازلت
تؤدي عملها، وتبهر زائريها إلى اليوم، ويُعرف الآن بقصر العروبة أو باسم قصر الاتحادية
عندما اتخذه الرئيس السادات عام 1972 مقرًّا لاتحاد الجمهوريات العربية (مصر – سوريا
– ليبيا).
بهليوبوليس نجد أغرب تصميم لقصر في القاهرة، وهو
قصر البارون إمبان نفسه الذي جاء مخالفًا لكل القواعد الصارمة التي حرص عليها البارون
في مدينته، وأهمها النكهة الشرقية ولمسات العمارة الإسلامية التي تزخر بها شوراع مصر
القديمة من مشربيات وعقود وأحجار ملونة وزخارف مملوكية وغيرها من اللمسات الفنية التي
أكسبت العمارة الإسلامية خصائصها، وزودت هليوبوليس بشكلها المميز. إلا أن البارون إمبان
اختار تصميمًا غريبًا على العمارة المصرية والإسلامية ليكون هو التصميم الخاص بقصره،
فقد استوحى من معبد أنكور وات في كمبوديا ومن المعابد الهندية نموذجًا لقصره الذي وضع
تصميمه ألكسندر مارسيل، وانتهى من تصميمه عام 1911م. وأثناء افتتاحه أُعجب به السلطان
حسين كامل ورغب في شرائه من البارون، ولكنه رفض واقترح عليه إنشاء قصر بديل – أُتُّخِذَ
من قصر السلطان حسين كامل حاليًّا مقرًّا لمدرسة مصر الجديدة الثانوية. أما عن غرابة
التصميم فتعددت الروايات التي لم نجد لها مصدرًا يؤكدها ما بين عشق البارون لهذا الطراز
المعماري أثناء إقامته بالهند، ورواية أخرى تقول إن البارون أصابه مرض عضال في الهند
فنذر بناء قصر هندي إذا شفاه الله من مرضه. كلها روايات وأقاويل الثابت فيها أن قصر
البارون كان محل إعجاب الزائرين؛ لما يضمه من تحف وزخارف وفسيفساء ونوادر فنية وتماثيل
جلب بعضها من الهند وأعمدة كلها جديدة على الذوق المصري.
وبهليوبوليس نجد
حلبة سباق الخيل الشهيرة التي نراها كثيرًا في أفلام الأبيض والأسود والتي كانت من
أهم عوامل الجذب لزيارة هليوبوليس فقد عمد البارون إلى جعل هليوبوليس محل اهتمام سكان
القاهرة كافة لا سكان هليوبوليس فقط.
بعض معالم منطقة هليوبوليس :
قصر رئاسة
الجمهورية , قصر العروبة , حديقة الميريلاند , قصر البارون إمبان , المعبد اليهودي
, الكلية الحربية , جامع قطز قاهر التتار , كنيسة البازليك , قصر إبراهيم باشا عبد
الهادي , قصر السلطان حسين كامل
0 التعليقات:
إرسال تعليق